محمد هاكش للمنعطف : الحوار الإجتماعي لم يستوعب اللحظة التاريخية


بحيويته المعهودة وحماسته اللامتناهية، سارع محمد هاكــاش الكاتب العام للجامعة الوطنية للفلاحي –الاتحاد المغربي للشغل- إلى الدفاع عن الطبقة العاملة.. كان ذلك لما عبرنا له؛ عبر الهاتف؛ عن قلقنا وامتعاضنا مما يتداول بشأن نتائج الحوار الاجتماعي، جوابا عن سؤاله عن أحوالنا، حيث اتصلنا به من أجل إجراء حوار حول العمل النقابي في المغرب.. لم يتهرب من هذه الدعوة كعادة العديد من النقابيين، خصوصا في هذه الظرفية التي وضعت النقابات بين سندان الأجراء ومطرقة الباطرونا وحليفتها الحكومة... وعند لقائنا به تأكد لنا هذا الواقع، حيث العمل النقابي في المغرب يعيش على إيقاعات متضاربة في كل الاتجاهات، ويسير على حبال سيرك سياسي واجتماعي واقتصادي تهدد الواقع من علاها بالوقوع في مشنقة الموت المحتم..

في هذا اللقاء الراصد للحظة متوترة من لحظات العمل النقابي في المغرب الشاقة يقربنا محمد هاكاش الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل من واقع هذا العمل، إكراهاته، تحدياته، معوقاته، رهاناته وآفاقه.. مستقبله تكتيتكيا ومستقبله الاستراتيجي..

محمد هاكاش للمنعطف:
 
الحوار الاجتماعي لم يستوعب اللحظة التاريخية والحكومة وأرباب العمل يتعاملون معه كمنشفة لامتصاص الغضب

الحراك السياسي والاجتماعي الحالي يسير في اتجاه تقوية العمل النقابي عبر تصحيحه ودمقرطته



** أستاذ محمد؛ لان نتائج الحوار الاجتماعي تشكل مرآة عاكسة لأحد أهم جوانب العمل النقابي، ولان هذه النتائج بدت ملامحها الأولى، سنبدأ حيث توقفت الحكومة.. هل انتم راضون عن "مسودة" هذه النتائج؟

- قبل الجواب على سؤالكم، اسمحوا لي أولا أن أذكر الحكومة وأنور الرأي العام الوطني بشأن هذا الحوار. والحقيقة هي أن الحوار الاجتماعي كان قد جمد من قبل الحكومة لقرابة السنة، فقد كان مقررا استئناف أولى جلساته لهذا الموسم الاجتماعي قبل الشروع في مناقشات قانون المالية لسنة 2011، غير أنه لم يتم ذلك، لأن الحكومة تستهتر بالعمل النقابي وبشركائها الاجتماعي ومن خلال ذلك بمصالح وحقوق ومطالب الأجراء وعموم المواطنين..

والجلسات التي تعقد اليوم، لم تكن لتعقد ولم تكن الحكومة لتجلس إلى الطاولة مجددا لولا الحراك السياسي والاجتماعي لحركة 20 فبراير. وبالتالي نعتبر هذا الحوار قد فرضته الظرفية الراهنة، وليس اقتناعا من الحكومة به، ولأن مطالب حركة 20 فبراير جاءت في جزء كبير منها مطالب اجتماعية واقتصادية، تتقاطع مع مطالب الحركة النقابية في المغرب. وهذا الحوار في نظرنا له صبغة خاصة باعتبار هذه المتغيرات التي دفعت بمطالب وانتظارات الأجراء وعموم المواطنين إلى الواجهة. ونحن اليوم (26 أبريل) على مشارف الرد الحكومي الذي من المقرر أن يكون اليوم، على المذكرة المطلبية للنقابات الشريكة في هذا الحوار نتساءل: إلى أي حد سيتم التجاوب مع هذه المتغيرات والانتظارات والمطالب؟ !

إلى حد الآن أعتقد أن الحوار الاجتماعي لم يستوعب بعد اللحظة التاريخية التي يجرى فيها، وأعتبر الحكومة وأرباب العمل يتعاملون مع الحوار الاجتماعي كمنشفة لامتصاص غضب وسخط الموظفين والطبقة العاملة وعموم المواطنين.. ويتأكد ذلك من خلال الرد الحكومي على المطلب الأساسي المتعلق بتحسن الدخل. ونرى أن الزيادة في أجور موظفي القطاع العام بـ 600 درهم، و 15 في المائة في أجور الطبقة العاملة بالقطاع الخاص، لن تحقق السلم الاجتماعي ولن توقف السخط والاحتجاج في أوساط هذه الفئات، ببساطة لأنها غير قادرة على إقناع المواطنين بجدواها في مواجهة تقلبات الأسعار وارتفاعا المتزايد، وبالتالي تحقيق العيش الكريم المأمول.. والدليل على ذلك استمرا الاحتجاجات في عدد من القطاعات وتواصل الدعوات للاحتجاج في أخرى، وانتقال تظاهرات حركة 20 فبراير إلى الأحياء الشعبية.

** طيب، ماذا لو استجابت الحكومة لمطالب النقابات كما هي، هل في نظركم سيتحقق السلم الاجتماعي، بالنظر غلى حجم تمثيليتها لعموم المواطنين؟

-من هذا المنطلق، ولاعتبارات ترتبط بالمستوى المعيشي للمغاربة قاطبة والاكراهات الاقتصادية والضغوطات الاجتماعية، نقول بأن الحوار الاجتماعي بهذه المنهجية وبهذه الطريقة وبهذا الأفق الضيق لا يمكنه تحقيق السلم الاجتماعي المطلوب. كما لا يمكن تحقيقه دون التدخل بقوة لتلبية المطالب المتعلقة بحماية المال العام ووضع حد للجمع بين الثرة والسلطة، ودون توزيع عادل للثروات الوطنية.. وفي ظل تفويتات اراضي الشعب لكبار الملاكين العقاريين ودوي الجاه والسلطة بابحس الاثمان على حساب شقاء العمال الزراعيين ومعاناة الفلاحين واستمرار التهرب الضريبي والإفلات من العقاب.. وفي ظل الدعم غير المحدود وغير المشروط لعدد من القطاعات كما هو الحال بالنسبة لقطاع النسيج والسيارات والقطاع الفلاحي والقطاع السياحي دون أن يكون لهذا الدعم أثر ايجابي ملموس على الاوضاع المعيشية للطبقة العاملة ،،،، في \طل هذه الأوضاع لا ولن يمكن للعمل النقابي ولا للفاعل النقابي أن يقدم ضمانات بشأن السلم الاجتماعي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحميله مسؤولية أي احتقان أو احتجاج .. وبالتالي فان تعنت الحكومة في الاستجابة للمطالب النقابية سيؤدي لا محالة في نهاية المطاف إلى أن ينضاف مطلب حل النقابات إلى مطالب حل البرلمان والحكومة التي تنادي بها الحركة الاجتماعية لحركة 20 فبراير.. بصيغة أخرى الحكومة تقوض النقابات وتوسع قاعدة حركة 20 فبراير.

** في هذا السياق، يطرح القطاع الخاص إشكالا حقيقيا على الممارسة النقابية بالمغرب، أليس كذلك؟

-حقيقة يطرح هذا القطاع إشكالا حقيقيا، كونه يرتبط بعاملين. الأول يتعلق بدور الدولة وما يمكن أن تقدمه، ومنه إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، والتصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالشغل، وخلق قوانين وما إلى ذلك.. وهنا نصطدم بالعامل الثاني وهو رأس المال. فلو كانت الدولة موفية لكل التزاماتها تجاه هذا القطاع فهل ستطبق القوانين الجاري بها العمل؟ ! اليوم لا يطبق من قانون الشغل إلا 20 في المائة منه في أحسن الأحوال، وفي المقابل يستغل الفصل 288 ويستعمل على أوسع نطاق، وعلى العكس من ذلك لا تقوم الحكومة لا بزجر ولا بمتابعة أرباب الشغل الذي يخرقون هذا القانون صباح مساء ومحاربة الحريات النقابية ، هناك حملة واسعة على مناديب الأجراء، هذه الآلية التفاوضية التي انشأت في الاصل من أجل ضرب العمل النقابي.

إذن كيف يمكن للمواطن أو الأجير أن يستقبل نتائج الحوار الاجتماعي وهو واع ومدرك أن الفساد ينخر المغرب ومؤسساتة وقطاعاته ! والحكومة لم تحرك ساكنا لاسترجاع ولو درهم واحد من الأموال المنهوبة.

** هل هذا يعني أن العمل النقابي في المغرب أصبح عاجزا عن القيام بدوره في المجتمع؟

-لا، أبدا لا نقصد ذلك، إنما ما نريد قوله بصيغة أخرى هو أنه إذا كان يتم تصفية الأجواء السياسية بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وتوسيع مجال الحريات العامة، فان تنقية الأجواء الاجتماعية لا بد أن تكون عبر استرداد الأموال العمومية المنهوبة، سواء بشكل مباشر بواسطة الاختلاس والتبديد والتبدير، أو بشكل غير مباشر بواسطة التهرب الضريبي والمحسوبية والزبونية.. وكذا بعدم استفزاز المواطنين بهدر أموال طائلة على مهرجانات للرقص والغناء.. كما هو الحال بالنسبة لمهرجان موازين الذي يستضيف مغنين ومغنيات بتعويضات تفوق المليون دولار، وهو مبلغ مالي يمكن أن نحدث به حوالي 760 منصب شغل لحاملي الشهادات المعتصمين بالرباط وتواجههم الحكومة بالهراوات والقمع والتنكيل..

** هل هذا يعني أن العمل النقاب يعيش أسوأ فتراته وأن النقابات في وضع لا تحسد عليه؟

-فعلا، النقابات بصفة عامة، والاتحاد المغربي للشغل بشكل خاص توجد في وضع لا تحسد عليه، بالنظر لانتظارات الأجراء منها ، وبالنظر للاكراهات والتحديات الراهنة، في ظل موازين قوى ضاغطة.

** إذن كيف تنظرون إلى مستقبل العمل النقابي في المغرب؟

-أعتقد أن الحراك السياسي والاجتماعي الحالي يسير في اتجاه تقوية العمل النقابي عبر تصحيحه ودمقرطته. والتجربة من حوالينا في تونس ومصر على سبيل المثال أكدت ذلك. ونحن متأكدون من أن العمل النقابي لا تدمرها هذه الحركية، بل ستفرز غثه من سمينه، ستفرز الصادق والشريف الملتصق بهموم الطبقة العاملة وقضاياها، وستبعد من يستغل العمل النقابي لخدمة مصالحة الشخصية.. بعبارة أوضح مادامت الطبقة العاملة اصبحت تعي وتدرك وتعرف من يخدمها ومن يستخدمها فلا خوف على العمل النقابي في المغرب.

** وما دور وموقع التنسيق النقابي في هذا المستقبل؟

-الملاحظ اليوم أن النقابات مرتبكة بهذا الخصوص في اتجاه الحفاظ على مواقعها التقليدية، فيما الوحدة النقابية ضاغطة من جانب القواعد وتفرضها طبيعة المرحلة وواقع الطبقة العاملة. وفي هذا الاطار استحضر تصريخ الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل الأخ ميلود مخاريق، حيث قال: لماذا لا؟ لكن يجب تسطير برنامج محدد بنقاط محددة في أفق الوحدة. يجب الجلوس لاعداد برنامج استراتيجي يفضي في النهاية إلى وحدة نقابية. وهذا الموقف يجب أن يسجل لقيادة الاتحاد المغربي للشغل في أول خروج إعلامي لها.

** وما الذي يعيق أو يعرقل ذلك؟

-عدم الاستقلالية هو العرقلة الأولى والأخيرة وما دونها يمكن مناقشته وتدليله. وأقصد بذلك الارتباط الحزبي، واجترار النقابات وراء طموحات وأجندات حزبية. ونحن نرى أنه لا وحدة نقابية بدون استقلالية عن الأحزاب، بعد ذلك تبقى جميع سيناريوهات الوحدة مطروحة على أساس اعتماد قواعد العمل النقابي. دون أن ننسى أن العمل النقابي في المغرب، طبيعته وشكله وآليات اشتغاله تحكمت فيه وما تزال طبيعة الظروف والمرحلة التي نشأ وتبلور فيها، وكذا التكوين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع المغربي، الذي تتشابك فيه الإقطاعية والرأسمالية والمخزنية واقتصاد الريع.. وعموما بأنماط متضاربة تصل حد التناقض في كثير من الأحيان.